الکویت تفسر الاتفاق بین إیران والسعودیة بشکل خاطئ
من الأفضل للكويت بدلاً من إثارة الجدل الإعلامي أن تبدأ مفاوضات فنية - قانونية مع إيران، وتأخذ بالاعتبار التجارب التاريخية والنضج السياسي، وذلك من أجل التوصل إلى اتفاق يرضي الطرفين، كما حدث في اتفاقية حقل الخفاجي، والتي من شأنها تأمين مصالح البلدين.
كانت نقطة البداية في افتعال هذا الموضوع، بيان وزارة الخارجية الكويتية بشأن حقل أرش النفطي، والذي دعا إلى مفاوضات حول تعيين الحدود البحرية بين البلدين، وذكر أن الكويت والسعودية وحدهما لديهما الحق الحصري في الثروات الطبيعية لحقل الدرة (أرش). في غضون ذلك، وبعد يوم واحد ودون الأخذ بالاعتبار الأجواء الجديدة في العلاقات الثنائية، جددت السعودية موقف الكويتيين، وأعلنت: ان "ملكية هذا الحقل النفطي للكويت والسعودية".
من جهتها شنت بعض الشخصيات الإعلامية أيضا هجمات على إيران، حيث استغلت وسيلة "الجريدة" الإعلامية سيئة السمعة (التي كان يدعمها حزب البعث في عهد صدام) هذه الفرصة للاستثمار في الخلافات الفنية والقانونية بين البلدين بهدف نشر الكراهية العرقية ضد إيران.
منذ تأسيس دولة الكويت، كانت طهران والكويت على خلاف بشأن تعيين الحدود البحرية وحدود الجرف القاري، ولم تؤد المفاوضات بين البلدين في عهد نظام الشاه "بهلوي" البائد إلى أي نتائج. توترت العلاقات بين البلدين مرة أخرى في عام 2000، بعد إجراء إيران بالرصد الزلازلي (من أجل بدء عمليات الحفر) ، وفي ذلك الوقت حاولت الجمهورية الإسلامية حل الخلاف حول تحديد الجرف القاري وترسيم الحدود عبر المفاوضات الفنية - القانونية. لكن في كل هذه السنوات، رفضت الكويت التوقيع على الاتفاقية في اللحظة الأخيرة.
حتى عام 2001، أوقفت إيران الحفر في حقل أرش من أجل منع التوتر في العلاقات مع جارتها الجنوبية ومن أجل إظهار حسن النية وتوفير الأرضية لانجاح المفاوضات الفنية والقانونية بين البلدين، حتى أن هذه القضية أثيرت العام الماضي خلال المفاوضات الأخيرة بين البلدين، لكن كما هو الحال دائما، كرر الكويتيون موقفهم السابق.
في غضون ذلك، وقعت السعودية والكويت (دون الأخذ بالاعتبار الجمهورية الإسلامية الإيرانية) اتفاقية ثنائية حول حقل أرش النفطي في مارس 2022. تشير التحقيقات إلى أن حقل أرش النفطي الذي تسميه الكويت الدرة، يحتوي على 200 - 220 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي و 310 مليون برميل من النفط الخام القابل للاستكشاف، ونفذت أول عملية استكشاف لهذا الحقل من قبل شركة يابانية نيابة عن الجانب الإيراني.
وفقا لخط البداية الذي أعلنته إيران حول الجرف القاري عام 1973، والذي وافق عليه البرلمان أيضا، فإن 40٪ من هذا الحقل يخص إيران. لكن الكويتيين لا يقبلون هذا الخط ويزعمون أنه يجب تعيين حدود بحرية جديدة بين البلدين. بينما هذا الخط يمثل أساس الحدود البحرية بين إيران والسعودية ودول أخرى في الخليج الفارسي.
ورغم اتفاق 10 مارس بين إيران والسعودية وتطبيع العلاقات بين البلدين، والجو الإيجابي السائد بين إيران وجيرانها في الجنوب، واجراء وزير الخارجية السعودي زيارة رسمية إلى طهران بعد 8 سنوات من قطع العلاقات، وقيام وزير الخارجية الإيراني بزيارة 4 عواصم في جنوب الخليج الفارسي، بما في ذلك الكويت لعرض مبادرة إقليمية، أثارت الكويت مرة أخرى قضية جديدة في العلاقات بين إيران وجيرانها في منطقة الخليج الفارسي.
يبدو أن الكويت والسعودية بالطبع فسرتا بشكل خاطئ بالتزامن مع اتفاق بكين والأجواء الجديدة في المنطقة، بأنه من المحتمل أن تتفاعل الجمهورية الإسلامية بصمت وتساهل تجاه حقل أرش النفطي أو حدود الجرف القاري.
لا يخفى على أحد أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لم تتساهل أبدا تجاه المصالح الوطنية لإيران وأن الحرب المفروضة التي استمرت ثماني سنوات كانت أهم اختبار لذلك. ومن الأفضل للكويت بدلاً من إثارة الجدل الإعلامي أن تبدأ مفاوضات فنية - قانونية مع إيران، وتأخذ بالاعتبار التجارب التاريخية والنضج السياسي، وذلك من أجل التوصل إلى اتفاق يرضي الطرفين، كما حدث في اتفاقية حقل الخفاجي، والتي من شأنها تأمين مصالح البلدين.