اغتیال نصرالله.. إیران هدف نتنیاهو القادم!
خلال الساعات المقبلة سيكون قد مضى على اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وبدء الحرب على لبنان خمسة أيام. جرت العادة أن المقاومة في لبنان متمرسة على امتصاص الصدمات التي مرت بها خلال العقود الماضية، لكنها قد تكون في صدمتها الأكبر هذه المرة. على الرغم من ذلك لا شك أن هناك قيادة جديدة، بغض النظر عن الاجراءات التنظيمية، تتولى حاليا المعركة. هذا واضح دون لبس من خلال أداء الميدان الذي استعاد ضبطه وعاد ليطلق الصواريخ وينفذ عمليات على الخط الحدودي، وهو الأمر الذي يدل علي أن القيادة والسيطرة لدى حزب الله جرى ترميمها بشكل سريع. والآن وقت القرارات الكبرى.
نائب الأمين العام لحزب الله في أول كلمة له بعد الاغتيال تطرق للشق الأول من خلال تأكيده علي أن منظومة القيادة والسيطرة ستتابع ما كانت تتابعه وأنهم يعملون وفق هيكلية منظمة وخطط بديلة، لكن خطابه لم يتناول قرارات كبرى مكتفيا بإعادة التأكيد على موقف حزب الله الذي سبق اغتيال نصر الله بالقول “لن نتزحزح عن موقفنا في مواجهة إسرائيل مناصرة لغزة وردا على الاغتيالات”.
اغتيال نصرالله ليس مجرد اغتيال لشخص في موقع قيادة عليا، هو باختصار إعلان إسرائيلي أميركي (ولا يمكن فصلهما في هكذا قرار) عن انطلاق عملية خنق “الأخطبوط الإيراني” بتفتيت أذرعه لا ضربها ومن ثم التفرغ للإجهاز على الرأس بعدما يكون قد فقد كل أدوات القوة. هذا الأمر أكد عليه بوضوح وزير الدفاع الإسرائيلي يؤاف غالانت بالقول إن “إسرائيل تقاتل ضد إخطبوط إيراني رأسه في طهران وتحاول أذرعه ضربنا”. من هنا فإن اغتيال نصر الله وإن كان ضربة لحزب الله، لكنه دون أدنى شك وضع السيف على نحر إيران التي لم تخسر فقط حليفا قويا وقائدا تحسبه من جوارح جسدها، بل رأس حربة قوتها الهجومية وخط الدفاع الأول عن المحور.
قبل أشهر كتبت عن الردع المضطرب الذي بدأت تضيق حلقاته منذ بداية الحرب وأن عدم تثبيت معادلة ردع حقيقية سيؤدي إلى تضييق الخناق على كل المحور الذي ترعاه طهران. اليوم وصلت الأمور إلى لحظة يبدو جليا فيها أن التالي لن يكون سوى مفاعلات إيران النووية. من البداية وهدف نتنياهو هو ضرب إيران وغياب الردع الحقيقي سيعطيه مزيدا من الثقة للذهاب إلى تحقيق أهم أهدافه. لما لا طالما أنه في حساب الألم والربح لا يتوجع بالقدر الذي يحصد فيه الإنجازات.
قرأت تحليلات طفولية وغبية، وفي العادة لا أحبّ التوصيف، عن تآمر إيران على نصرالله وبيعه مقابل اتفاق مع الغرب. هذا سيناريو إنتحاري لا علاقة له بالواقع بأي شكل من الأشكال، يشبه أن تقول إن حزب الله يتآمر على قوة الرضوان في قلب الحرب. الحقيقة أن حضور ونفوذ إيران الثورة الإسلامية في هذه اللحظة يواجه أعظم تحدياته الوجودية. هذا بدوره سيقود إلى تهديد لوجود النظام نفسه خصوصا إذا ما ذهبت إسرائيل إلى رأس الاخطبوط من خلال ضرب المنشآت النووية الإيرانية وهو ما سيحدث عاجلا أم آجلا في حال بقيت طهران في حالة احجام عن تدارك اندفاعة إسرائيل الحالية ضد إيران خارج حدودها. الأمر الذي سيسهل على إسرائيل خطواتها اللاحقة لأن إيران في ظل سيناريو كهذا ستصبح مكشوفة بالكامل في حال هزيمة المحور الذي تقوده في هذه الحرب. على هذا الوتر بدأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعزف في بيان خاص وجهه للشعب الإيراني حرض خلاله على النظام الحاكم مبشرًا بالمستقبل الواعد الذي ينتظر سكان إيران في حال انهارت شبكة التحالفات الإيرانية خارج البلاد.
لقد ترقى نتنياهو على سلّم التصعيد درجة درجة منذ بدء هذه الحرب. وفي كل مرة كان يصعّد فيها ضرباته لم يكن يواجه بما يردعه بشكل مؤلم. وقد قالت العرب يوماً، من أمن العقاب أساء الأدب، ونتنياهو ذهب حتى النهاية فقتل من اللبنانيين والفلسطينين واليمنيين ومن قادة حزب الله وحماس والحرس الثوري الإيراني ما لم يسبقه إليه أحد. في المقابل ماذا تلقى؟ الردود التي تتوقف عند حافة الإيلام دون إيلام اعطته اشارة عجز وشجعته على المزيد وهو اليوم يرفع شعار “هل من مزيد؟!”.
وكما أن كلفة عدم الرد هي أعلى بكثير من الرد كما أثبت نتنياهو بالفعل لا بالقول، فإن كلفة الكلام الكثير والتهديدات نتيجته حرب نفسية مدمرة على البيئة الحاضنة للمحور، وهو في غياب نصرالله، صانع سرديات المحور والذي كان قادرا على إقناع الانصار بأي اتجاه يجري تبنيه، سيصبح للكلام ضريبة ضخمة إذا لم يقترن بالفعل. وسيزيد هذا من كلفة القادم على الجميع دون استثناء، فالقطار يسير والركاب بغض النظر عن اتجاهاتهم، بمن في ذلك من هم على خط النقيض الفكري، محكومون بمن يقود وبالوصول الآمن إلى المحطة المقبلة.
التحدي لم يعد في مساحة التكتيك، التحدي اليوم على الخناق مباشرة ولا يهمّ من يفوز في الانتخابات الأميركية، ومن الآن، لا فرق بين إدارة وإدارة في قربها من إسرائيل إلا بمدى التزامها بالخطوة القادمة وعنوانها الذي كتبه بنجامين نتنياهو قبل هذه الحرب بسنوات، خنق إيران. بالتالي، ربما هناك من ينظّر لمفهوم الصبر الاستراتيجي في مواجهة الحرب، والحفاظ على المقدرات لوقت معركة لا يفرضها العدو على توقيته، إلا أن ما يحدث يقول الكثير، أهمّه أن الإسرائيلي وحلفاؤه أخذوا قرارا بالذهاب حتى النهاية بما لا يسمح حتى بالحفاظ على السلاح الأبيض في اليوم الأسود./ الكاتب:علي هاشم