سهراب سبهري عموداً من أعمدة الشعر الفارسي الحدیث
مر يوم 21نيسان/ابريل ذكرى وفاة ألمع الأسماء في الشعر الإيراني المعاصر سهراب سبهري عام 1980 وهو ليس غريبًا على القارئ العربي، إذ ترجمت العديد من قصائده الى العربية.كتابة سبهري نثرية بسيطة الشكل مليئة بالموسيقى يمتزج فيها الحسي بالمعنوي، وهي في مجملها متحدة بالطبيعة والإنسان وتسعى إلى العروج من عالم المحسوسات نحو مجال الإشراق.
ولد سهراب سبهري في 7 اكتوبر عام 1928 في منطقة "دروازه عطا" التي تتبع إدارياً لمدينة كاشان الإيرانية، في عائلة محبة للفن والثقافة والادب ،فوالده "اسد الله خان سبهري" ووالدته "فروغ سبهري". وهنا يكمن التأثير الذي تلقاه سبهري وبالتالي مساعدته على تشكيل أفكاره وشخصيته، حيث يعد سهراب عموداً من أعمدة الشعر الفارسي الحديث، الذي أسسه رائد الشعر الحديث في إيران "نيما يوشيج".
عاش سهراب طفولته في احضان الطبيعة، فكان للنباتات تأثيرا كبيرا على مراحله الأولى، كما كان يهوى جمع مختلف انواع الحشرات، وكذلك تربية الحيوانات، كما عشق سهراب الايام المشمسة.
وعلى الصعيد المدرسي كان سهراب الطالب الممتاز في مدرسته حيث كانت تتم الاشارة اليه كقدوة لرفاقه في الانضباط والاجتهاد. وكان سهراب يعشق المطالعة وقراءة الكتب وكان يقوم برسم لوحات فنية بعد كتابة واجباته المدرسية.
درس سهراب في كلية الفنون الجميلة وتخرج فيها، فكان رساماً وشاعراً ذائع الصيت ومعروفا في الصالونات الأدبية الإيرانية التي لم يكن يكترث لها، كان يعيش حياة غريبة وبطريقة أغرب، فلم يتزوج طيلة حياته. وقد نالت أعماله الفنية شهرة عالمية واسعة، فقد أقام معارض كثيرة في فرنسا والسويد وألمانيا وإنجلترا وإيطاليا وهولندا واليونان والبرازيل ومصر وفلسطين.
أتقن سهراب الفرنسية، الإسبانية، العربية، الإنجليزية، وكان قارئاً نهماً وغارقاً في عوالم التصوف والبحث عن اليقين، وقد استفاد من التشخيص والإنزياح ومزج الحواس أيما استفادة، فتكاد لا تخلو قصائده من الماء والخضرة والطبيعة والنسيم والصباح، مما ميزه عن غيره وجعله يجلس في ركنه الخاص الذي أوجده ولم يقترب أحد منه.
وسع سبهري آفاق معرفته بالقراءة والعزلة والسفر، فقد سافر إلى شتى أنحاء العالم، منها سفره إلى اليابان وإقامته فيها لسنوات لتعلم فن الحفر على الخشب على يد أستاذ ياباني، وإلى الهند وأفغانستان وأمريكا وأوربا وإلى بلدان عربية قبل أن يعود إلى ايران ليستقر به المقام في مدينة كاشان وضواحيها للعشر سنين الأخيرة من حياته.
تميزت قصائد سهراب ببساطة تركيبها وانشغالها بموضوعات الموت والوحدة، مع نزعة صوفية وحضور كثيف لمفردات الطبيعة، كما تأثرت أشعاره بعالم الصورة والفن التشكيلي. وابتعد سهراب عن التعرض لمشكلات الواقع وانشغل أكثر بالموضوعات الانسانية المجردة في كتابته.
في عام 1980 ترك سهراب عالم المحسوسات ليتحد بخياله النوراني بعد مكابدة مريرة مع سرطان الدم.
من قصائده من ديوان "صوت خطى الماء":
يجب أن نغلق المظلات
ونسير تحت المطر
يجب أن نحمل الأفكار والذكريات
تحت المطر
يجب أن نسير مع أهل المدينة كلهم
تحت المطر
يجب أن نصحب أصدقاءنا
تحت المطر
يجب أن نبحث عن الحب
تحت المطر
يجب أن نلعب
تحت المطر
يجب أن نكتب شيئاً
أن نتكلم
أن نزرع أزهار اللوتس
تحت المطر
الفجـر
في البعيد
بجعة مستيقظة باكراً
تمسح عن جناحيها الأبيضين
غباراً أسود..
ضفاف الجدول
والمجرى الأبيض
طافحان بأمواج الهمهمات..
الظل والنور
يزحفان ممتزجين
خلال السخام..
اليراعة تلمع
وسط النار البيضاء..
المستنقع
رفيق الرقص اللطيف
لحقل القصب
يفتح عينه الرطبة البيضاء..
خط من النور فوق الظلام
العتمة تبدو وكأنها
تتلألأ بذهب أبيض..
جدار الظلالِ ينهار
ويد النظرة
تبني في الأفق البعيد
قصراً عالياً من المرمر الأبيض
وسط حقل الزهور
يا لها من سهول شاسعة!
يا لها من جبال عالية!
أي ضوء كان العشب يبثه
من حقل الزهور!
في هذه القرية
كنت أبحث عن شيء ما
عن حلم ربما
عن نور
حصاة
ابتسامة..
خلف أشجار الحور
كان ثمة شرود نقي يدعوني
قرب حقل قصب مكثت
كانت ثمة ريح قادمة
أصغيت:
من الذي كان يتحدث إلي؟
سحلية زحفتْ.
مضيت
حقل برسيم قرب الطريق
بستان خيار
شتلات عصفر
ونسيان التراب
قرب جدول ماء
خلعت حذائي
وجلست
قدماي في الماء:
يا لنضارتي اليوم
ويا لتيقظ جسمي!
أخشى أن يطل حزن من وراء الجبل..
مَن هناكَ وراءَ الأشجار؟
لا أحد
بقرة ترعى بين الزرع..
إنها ظهيرة الصيف
الظلال تدرك
أي صيف هو هذا الصيف..
ظلال نقية
ركن منير صاف..
أطفال الإحساس
مكان اللعبِ هنا
الحياة ليست خاويةً
الحنان موجود
والتفاح
والإيمان..
نعم
مادامت شقائق النعمان موجودة
علينا أن نحيا..
في قلبي شيء
شبيه بغابةِ نور
شبيه بنومِ الصباح الباكر..
جزِع أنا
وبي رغبة
في أن أركضَ حتى عمق السهول،
أنطلقَ حتى قمم الجبال..
البعيد صوت
يناديني
النور، أنا، الوردة، الماء
ما من غيم
ما من ريح
أجلس قربَ البركة
تجوال الأسماك، النور، أنا، الوردة، الماء..
صفاء عنقود الحياة
أمي تقطف الريحان
الخبز والريحان والجبن، سماء بلا غيم، ورود التبغة الطرية
خلاص قريب
بين ثنايا ورود الفِناء..
النور في آنية النحاس
أي لطف يسكبه!
السلم من فوق الجدار العالي
يجلب الصباح إلى الأرض
كل شيء مختبئ خلف ابتسامة..
ثمة كوة في جدار الزمن
يطل منها وجهي
ثمة أشياء لا أعرفها
أعرف أني سأموت لو اقتلعت عشبة
عالياً أنطلق حتى القمم
مفعم أنا بالأجنحة والريش
أبصر الطريق في الظلام
مليء أنا بالفوانيس
مليء بالنور بالرمال
بالأشجار
بالدروب
بالجسور
بالأنهار
بالأمواج
مليء بظل ورقة شجرة في الماء
كم هي وحيدة أعماقي!
نـوم
من نبع الحلم عدت
في يدي جرة ماء مبللة..
كانت الطيور تغني
وأزهار النيلوفر تتفتح..
الجرة المبللة هشمتها
أوصدت الباب
وجلست في الإيوان
أتأملك
أجَل، نحن برعم حلم
- برعم حلم؟ وهل سنزهر؟
- يوماً ما تكون فيه الأوراق ساكنة
- في هذا المكان؟
- كلا، في وادي الموت.
- حيث الظلام والوحدة؟!
- كلا، حيث الخلوة والجمال.
- من سيأتي لتأملنا؟ من سيشمنا؟
- ...
- وستنثرنا ريح؟
- ...
- وسنتساقط ثانيةً؟
- ...
حاصدو الفجر
أفتح النافذة باتساع العالم
الطريق خال
الشجرة مثقلة بالليل
وما من غصن يرتعش..
الماء متعب من الجريان
لستِ هنا، فلا شيء يَميد..
لستِ هنا، النبض دوامة..
لستِ هنا وكأن هديرَ الأنهار مكتوم والوديان غير مقروءة
تجيئينَ: ينهض الليل من الوجوه ويحلق السر من الوجود
ترحلين: تعتِم المروج وتدفق الينبوع ينكسر
تغمضين عينيكِ: فيلف الغموض العشب
يهب محياكِ فيستيقظ الماء
تمرينَ فتتنهد المرآة..
الطريق خال
لن تعودي
وأنا لست في انتظاركِ
في الفجر
من الطريق المقابلة يصل الحاصدون..
لقد رأوا نضوج سنابلي في الحلم