انسحاب سریع.. ولایة ظریف فی عهد بزشکیان لم تستمر لأسبوعین

سريعًا وقبل مرور أسبوعين على تعيينه نائب الرئيس الإيراني للشؤون الاستراتجية، أعلن وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف مساء الثلاثاء 11 أب/ أغسطس 2024 اعتذاره من الشعب الإيراني وقراره الاستمرار في طريق التدريس الجامعي. وجاء هذا الإعلان عبر منشور لظريف على حسابَيْه على تطبيقَيْ "إكس" وإنستغرام"، وتضمن نص المنشورالتالي: سأواصل طريقي في العمل بالجامعة، وأعلن اعتذاري من شعب إيران على عدم القدرة على متابعة الأمور في أروقة السياسية الداخلية".

انسحاب سریع.. ولایة ظریف فی عهد بزشکیان لم تستمر لأسبوعین

وكان ظريف يتابع التدريس في جامعة طهران ضمن قسم دراسات الولايات المتحدة في كلية دراسات الدولية، وهو الذي يمتلك تجربة خاصة طويلة في هذا المجال، حيث كان المندوب الإيراني الدائم لدى الأمم المتحدة في نيويورك ووزيرًا للخارجية عندما جرى التوصل للاتفاق النووي الشهير عام 2015، المعروف رسميًا بخطة العمل الشاملة المشتركة.

ولوحظ أنّ هذه الخطوة من ظريف جاءت في ظلّ خلافات واضحة بشأن التشكيلة الوزارية التي قدمها الرئيس مسعود بزشكيان قبل ساعات إلى البرلمان الإيراني. لا سيما أن ظريف شغل خلال الأسابيع الماضية مسؤولية مجلس استراتيجي لترتيب أمور الفترة الانتقالية. وخلال تلك الفترة دأب ظريف التأكيد على مجموعة من المعايير والصفات التي يبحثها المجلس للوزراء الجدد الذين سيُقترحون على الرئيس مسعود بزشكيان، ومن تلك المعايير أن يكون معدل أعمار الوزراء أقل من 50 عامًا وتجديد الدماء بنسبة 60% أي أن يكون هناك شخصيات في الحكومة لم تشغل مناصب وزارية في السابق، إلا أنّ القائمة الوزارية التي أعلنها بزشكيان لم تتطابق مع هذه المعايير، إذ جاءت أعمار الوزراء بمعدل 60 عامًا، كما أنها لم تشتمل وفق المطلعين على نسبة 60 من وزراء جدد.

ظريف في منشوره لفت إلى هذا الأمر بالقول إن ” من بين الوزراء التسعة عشر الذين تم تقديمهم اليوم، ثلاثة كانوا مرشحين أوليين، وستة مرشحين ثانيين أو ثالثين، وواحد كان مرشحاً خامساً من قبل اللجان أو المجلس التوجيهي”. وعبر ظريف عن عدم رضاه عن نتيجة عمله، مؤكدًا شعوره بالخجل لأنه لم يتمكن وفق المنشور “من تنفيذ ما جاءت به التقييمات الفنية للجان وضمان حضور النساء والشباب والأقليات كما وعدت”.

وختم ظريف بالإشارة إلى أن “البعض يصفه بالشخص سريع الغضب”. منوهًا إلى أنه “أظهر صبرًا ومقاومة في وجه الهجمات غير المسبوقة خلال الإثني عشر سنة الماضية أكثر من كثير من المدعين”. لكنه أكد بأنه حساس جداً تجاه آراء ومخاوف الناس.

الجدير ذكره، أن المجلس المذكور تم حله بمجرد الانتهاء من تقديم مقترحات اسامي الوزراء للرئيس، لكن هذا الاخير ما لبث إلا ساعات حتى أعلن تسمية محمد جواد ظريف نائبًا له للشؤون الاستراتجية وهو المنصب الأول من نوعه في إيران، كما وجه بزشكيان خلال ذات المرسوم الرئاسي بنقل مركز الدراسات الاستراتجية لرئاسة الجمهورية إلى هذا القسم الجديد. وذلك بعد أن كان هذا المركز يتبع لمؤسسة رئاسة الجمهورية.

في تعريفه للمسؤوليات التي يضطلع بها هذا القسم، أوضح ظريف أنه سيكون حلقة الوصل بين رئاسة الجمهورية والمجتمع المدني في إيران

في هذا السياق، قالت رئيس جبهة الإصلاح في إيران آذر منصوري إن “تركيبة الحكومة بعيدة عن مستوى ​​توقع جبهة الإصلاح؛ ونحاول ترتيب لقاء مع الرئيس بعدا الخصوص”. مؤكدةً أن حكومة الوحدة الوطنية ليست حكومة ائتلافية فمثل هذه الحكومة ليس لها مالك ولا أحد فيها يتحمل المسؤولية. كما أوضحت منصوري أن المطالبة بإزالة دوريات شرطة الإرشاد ورفع حجب الانترنت هي أمور مطلوبة من الرئيس وليس من الوزراء. وأشارت إلى أن الشعب تفائل مرة أخرى بصندوق الاقتراع؛ وهو لا يريد أن يعترف بأن هذا الأمل كان كاذباً هذه المرة”.

على ضوء ما سبق، يُنظر لخطوة ظريف على أنها تعكس حالة من عدم التوافق السياسي والإداري في إدارة الشؤون الاستراتيجية للحكومة الجديدة، وتفتح الباب لمزيد من التساؤلات عن توجّهات الإدارة الإيرانية القادمة ومدى تحقيقها لوعود الإصلاح والتجديد.

خطوة ظريف دستوريًا

على الرغم من إعلان ظريف الذي يوحي بأنه لن يستكمل العمل في حكومة بزشكيان، إلا أنه حتى الان لم يعلن أنه قدم استقالة رسمية لرئيس الجمهورية، كما لم تعلن هذه الأخيرة تلقيها كتاب استقالة من نائب الرئيس للشؤون الاستراتجية. لكن في حال حدثت هذه الخطوة فمن المفترض أن يحسم الدستور الإيراني مصيرها.

لا يشمل الدستور الإيراني مادة تحدد إجراءات دقيقة لاستقالة نائب الرئيس، أو الشروط المتعلّقة بها. ومع ذلك، يمكن الرجوع إلى بعض المواد والإجراءات المتعلّقة بوزراء الحكومة بشكل عام، والتي تتعلّق بالاستقالة والتعيين بصفة عامة، حيث تنص الإجراءات على أن الوزير الذي يرغب بالاستقالة عليه تقديم طلب رسمي مكتوب إلى رئيس الجمهورية، يتضمّن الطلب الأسباب والدوافع وراء الاستقالة.

 

يمنح الدستور رئيس الجمهورية حق مراجعة طلب الاستقالة، ويعتمد قول أو رفض هذا الطلب على تقديره والوضع السياسي والإداري. فإذا وافق الرئيس على الطب فإنه يعلن عن ذلك رسميًا. وهو الأمر الذي حدث خلال حكومة رئيسي عندما استقال نائب الرئيس للشؤون الاقتصادية محسن رضائي وأعلن الرئيس السابق ابراهيم رئيسي قبول الاستقالة وتعيينه في منصب أخر. أما إذا رفض الرئيس طلب الاستقالة فإن الوزير يبقى في منصبه.

 

الحالتان المذكورتان وإن كان الدستور يشتمل عليهما فقط فإن هناك حالة أخرى هي أن يسحب الوزير نفسه استقالته قبل إصدار الرئيس لرأيه وهو الأمر الذي حدث مع شخص ظريف عندما أعلن في شباط/ فبراير عام 2019 عن استقالته من وزارة الخارجية في عهد الرئيس الأسبق حسن روحاني اعتراضًا على عدم وجوده أثناء زيارة الرئيس السوري بشار الأسد لطهران ولقاءه القائد الأعلى ورئيس الجمهورية. الاستقالة لم يعلق عليها الرئيس أنذاك بالقبول أو الرفض إلى أن تراجع ظريف عنها بعد يومين تقريبًا.

 

حول هذه الحادثة يقول ظريف في كتاب مذكراته الذي صدر مؤخرًا إنّ زيارة الأسد كانت مقرّرة مسبقًا بالتنسيق مع الجنرال قاسم سليماني، حيث اجتمع الرجلان وتوافقا على الأمر، ثم نسّق ظريف مع روحاني، لكنّ الزيارة لم تتم في حينها لأسباب عدة، وأتى الأسد إلى إيران في وقت آخر من دون إعلام وزير الخارجية، الذي علم بالأمر عبر المواقع الإلكترونية./جاده ایران